الانتخابات الكندية.. لا تشبه الأميركيةَ
منذ أن دعا رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إلى انتخابات مبكرة في 20 سبتمبر وهو يتعرض لمضايقة المحتجين الغاضبين في محطات الحملة الانتخابية. وفي الغالب، كان هؤلاء المحتجون يكتفون بإلقاء تهديدات وشتائم على رئيس الوزراء، على خلفية فرض التلقيح بشكل رئيسي. لكن ضمن فعالية أقيمت في لندن، بإقليم أونتاريو، عمد ناشط محلي من الحزب الشعبي الكندي، وهو حزب يميني لم يحصل حتى على 2٪ من الأصوات في الانتخابات الأخيرة ويحصل الآن على 6٪ في استطلاعات الرأي، عمد إلى إلقاء الحصى أيضاً على ترودو.
وبالنسبة لبعض الكنديين، فهذا مؤشر على أن الاستقطاب السياسي على النمط الأميركي أخذ يزحف إلى شمال الحدود. لكن محللين سياسيين يرون أن هذا الرأي يغفل الصورة الكاملة، وأنه لا يرى الغابة، وإنما يركز على بعض الأشجار بدلاً من ذلك. ويقولون إنه في المناظرات والبرامج الانتخابية، كان هذا السباق الأقل احتداماً في التاريخ الحديث. فبينما نحا المحافظون في الولايات المتحدة وعدد من البلدان الأوروبية أكثر نحو اليمين من أجل الظفر بالأصوات، في كل المواضيع، من الهجرة إلى طريقة الرد على الوباء، مال المحافظون في كندا إلى الوسط. وظلت الأحزاب الرئيسة موحدةً في أكبر تحد تواجهه البلاد، ألا وهو تجاوز الموجة الرابعة من «كوفيد-19».
ويقول ماكسويل كامرون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بريتيش كولومبيا: «كل مَن هم في السياسة حالياً سيقولون لك إن النبرة أصبحت أكثر قبحاً وخشونة»، مضيفاً القول: «لكني أعتقد أن أحد الأشياء الأكثر إثارةً للاهتمام بخصوص هذه الانتخابات هو أنها ليست انتخابات استقطابية عبر سلسلة واسعة من المواضيع».
وهكذا، وفّرت هذه الانتخابات سرديةً مضادةً للفكرة التي مفادها أن تفريغ الوسط يدفع الأحزاب إلى الميل نحو الأطراف والهوامش من أجل تعبئة ناخبين مستقطَبين.
معظم هذا الأمر تشرحه الاستراتيجية السياسية التي يتبناها المرشح المحافظ إيرين أوتول. إذ راهن على مكان أقرب إلى الوسط من سلفيه زعيم الحزب السابق آندرو شير ورئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر، الذي تحول تعهده في عام 2015 بحظر النقاب إلى برميل بارود للسياسة القائمة على الهوية. ففي سياق الإنفاق الحكومي الضخم لدعم العمال خلال الوباء، يبدو أوتول أقل صقوريةً بخصوص الديون. وبخصوص المواضيع الاجتماعية، قدّم حزبَه على أنه حزب الاستيعاب وحزب جميع الكنديين. كما يقول إنه يؤيد بقوة حقوق الإجهاض، على عكس «شير» الذي هزمه ترودو في انتخابات عام 2019. وقال هذا الأسبوع: «إننا لم نعد الحزب المحافظ الذي كان قائماً في جيل والدك».
المنتقدون يخشون أن يكون ذلك مجرد حيلة انتخابية، وأن حكومة محافظة لن تكون صارمة بشأن التدابير الصحية العمومية والأسلحة، لكن استراتيجية المعتدلين تعكس الكتلة الناخبة، كما يقول كريستوفر كوشران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تورونتو سكاربورو. ويقول هذا الأخير: «إن الحزب المحافظ كان يميل إلى يمين الجمهور الكندي». لكن اليوم، يعيد أوتول الحزب إلى «تقليد محافظ قديم في كندا، تقليد أعتقد أن الكثير من الأشخاص كانوا يظنون، ربما عن حق، أنه مات».
غير أن هذا الانتقال إلى الوسط يمكن أن يكلّف ترودو السباق الانتخابي، وهو الذي أصبح وجهاً عالمياً للوسطية السياسية في وقت نمت فيه الحركات اليمينية المتطرفة وتقوّت حول العالم.
ذلك أن الليبراليين والمحافظين متقاربون في نتائج استطلاعات الرأي، بحصولهم على 31,9٪ و30,4٪ على التوالي، وفق استطلاع أجراه مركز «نانوز ريسورتش» لحساب «سي تي في نيوز» و«ذا غلوب آند ميل».
إنه سباق أكثر احتداماً مما كان يتوقعه الليبراليون عندما دعوا إليه في منتصف أغسطس، بعد عامين فقط في السلطة، وذلك على أمل تحويل حكومة أقلية إلى أغلبية. وبعيد ذلك بقليل، اتضحت تحديات موجة رابعة من الوباء. واليوم هناك ناخبون وناخبات، مثل «صفية علي» التي تعيش في منطقة تورونتو الكبرى، يصفون هذا بازدواجية المعايير. فقد طُلب من الجمهور أن يتخلى عن حفلات الزفاف والجنائز، لكن ها هو يُدعى الآن إلى مكاتب الاقتراع. وكانت صفية تصوّت دائماً لليبراليين، إلا أنها اليوم غير واثقة من صحة قرار ترودو، إذ تقول: «أعتقدُ أنه ما كان ينبغي الدعوة لانتخابات».
وحتى الآن، لم تعرف كندا انقسامات بسبب الوباء، وهو ما أبقى عليها بمنأى عن الاستقطاب. فقد قام كل زعماء الأحزاب الرئيسة الخمسة بتسجيل رسالة معاً، حثوا فيها الكنديين على تلقي اللقاح، عشية مناظرتهم التي جرت باللغة الإنجليزية فقط.
وفي الوقت الراهن، ندّدت الأحزاب الرئيسة بملاحقة ترودو - وكذلك بالاحتجاجات المناهضة للتلقيح التي استهدفت المستشفيات في الأيام الأخيرة- بدلاً من أن تجري وراء أصواتهم. وفي هذا الصدد، يقول جاسكران ساندو، الخبير الاستراتيجي السياسي في برامبتون (أونتاريو): «إن إحدى الطرق التي تختلف بها كندا عن بلدان أخرى هي أنه ما زالت هناك نقطة ارتكاز وسطية قوية في أحزابنا السياسية»، لكنه يشدد على أن مشاعر الاستقطاب في صعود «الحزب الشعبي الكندي» ينبغي مواجهتها بشكل مباشر، وليس تجاهلها والتغاضي عنها في محاولة للإبقاء على المشهد السياسي ودياً، إذ يقول: «قد يكون ذلك هامشياً، لكنه أمر يطرح إشكالية كبيرةً جداً لا يمكن التقليل من شأنها أو تجاهلها، ألا وهي: كيف تميل كندا للتعاطي مع العديد من هذه المشاكل؟ هناك حاجة لإدراك أعمق بأن هذه المشاعر موجودة».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»